بقلم رئيس التحريرتحقيقات صحفيه

ابراهيم البسيونى يكتب : إمارة «الفتنة»..الملفات المشبوهة بين الدوحة والإخوان وواشنطن (3)

108585_1388476384 في الواقع، لا يكره القطريون الجيش المصري فقط لأنه ساند الإرادة الشعبية، التي أطاحت بحليفهم محمد مرسي، في أعقاب فيضان

30 يونيو. أساس عداوة الدوحة للقوّات المسلحة يرتبط قبل أي شيء، بفساد المخطط الذي كانت تقوده الدوحة وأنقرة والقاهرة (في عهد الإخوان)، وبالوكالة عن واشنطن، في سوريا. كيف أنقذ 30 يونيو الجيش من “المصيدة القطرية” بسوريا مرسي أصدر إعلان حرب مبطنًا ضد سوريا في    «إستاد القاهرة» لإنقاذ سمعة أوباما السيسي أخبر مرسي بخطورة التصعيد المفاجئ ضد دمشق.. والمعزول لم يسمع الإمارة الصغيرة كانت تسعى، عبر النظام الإخواني الساقط، لجرّ الجيش المصري إلى المستنقع السوري بديلًا عن ضباط وجنود المارينز الأمريكي. الإطاحة بمرسي وأعوانه نسفت ذلك المشروع قبل أن يتحقق على الأرض. القصة بدأت عندما أعلن الرئيس الأمريكي بارك أوباما، مع تصاعد المواجهات المسلحة بين بشار الأسد ومعارضيه، أن استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية، سيمثل خطًا أحمر، لن تقف أمامه واشنطن مكتوفة الأيدي. بمعنى أنها ستتدخل عسكريًا، أوباما، على ما يبدو، كان على يقين من أن الأسد وجوقته، لن يستخدما الكيماوي أبدًا، فيما كان مخططه أنه في حال ترجيج كفة النظام السوري في مواجهة الجيش الحر، فإن قوات عربية، بقيادة مصر بطبيعة الحال، ستتدخل لتعديل الكفة، لا بما يحقّق الهزيمة للنظام، ولكن للحفاظ على وتيرة المعارك بينه وبين خصومه، أكبر وقت ممكن. لمن لا يعلم، واشنطن ليست جادة في هزيمة الأسد، هي تريد إطالة أمد الصراع في سوريا لأطول فترة زمنية متاحة، بحيث ينتهي بغير خاسر أو فائز. بشار الأسد الولايات المتحدة الأمريكية تخشى أن يرث إسلاميون متطرفون عرش الأسد، فيوجّهون سلاحهم إلى تل أبيب، في محاولة لاسترداد الأراضي السورية المغتصبة. إخوان سوريا، وعلى عكس نظرائهم بمصر، ليسوا بالقوة الكبيرة على ما يبدو لاقتناص الحكم. إدارة أوباما لا تثق في قدراتهم على استمرار تحييد قضية الجولان المحتلة مستقبلًا. وبالتالي فتأديب الأسد لا يجب أن يؤدي لسحقه في النهاية. ناهيك عن أن إسرائيل تريد سوريا ممزقة. الحرب الأهلية تفي بالغرض. وبالتالي فإن الرأي الراجح بالنسبة لدوائر الحكم في البنتاجون والبيت الأبيض والسي أي إيه، ومعهم الصهاينة، كان ولا يزال: لا تدع أحدًا ينتصر في بلاد الشام. على هذا النحو جهّز أوباما بديله الاحتياطي للتدخل في سوريا إذا لزم الأمر. الجيش المصري كان الهدف. لم يكن ممكنًا بحسابات المنطق، أن يمرّ الإخوان إلى قصر الحكم على ضفاف النيل، من غير التعهد بتأمين تنفيذ ذلك المخطط. القطريون جهّزوا الثمن للجماعة.. ملياري دولار مقابل 100 ألف جندي مصري ينتقلون إلى الأردن، ثم إلى قلب معارك حلب وحمص وحماة ودمشق. تلك اتهامات أثيرت في العلن، وقد وجّهتها سوريا إلى القاهرة تحت حكم الإخوان، فور تلويح الدكتور سيف عبد الفتاح، المستشار السياسي للرئيس المعزول، في أكتوبر 2012، بأن الأخير تفاوض مع القطريين والأتراك، حول إرسال قوات عربية لحفظ الأمن بسوريا، ووقف المجازر التي تستهدف أهلها. سيف عبد الفتاح صحيح أن الرئاسة ووزارة الخارجية، سارعتا بنفي ما قاله مستشار مرسي ساعتها، لكن الرجل كان يشغل موقعًا لا يحتمل الآراء الشخصية، ولا يبدو من المنطقي أن يخرج بمثل ذلك الكلام دون علم رئيسه. لا يمكن حساب تصريحاته تلك، إلا من باب فقاعات الاختبار الإخوانية المعتادة، إلا أنها انفجرت سريعًا برد فعل مصري، علني من جانب السياسيين والإعلام، ومبطن من جانب العسكريين، برفض الأمر برمته. المثير أن الدوحة حاولت التمهيد لقرار إخواني بدفع الجيش (من خلال قوات عربية مشتركة) إلى المعارك السورية. جاء ذلك مرتين على لسان وزير خارجيتها ورئيس وزرائها السابق، حمد بن جاسم. الأولى خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في مارس 2012، والثانية في يناير من العام التالي له. أي قبل وصول الإخوان إلى حكم مصر، وفي أثنائه. وفي الوقت الذي كان فيه أوباما مطمئنًا أن أحدًا لن يطالبه بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا، فوجئ، إما برعونة من الأسد وفريقه، وإما عبر أطراف في المعارضة تريد حسم صراعها مع دمشق ولو بأيد أجنبية، بظهور الكيماوي في ساحة المعارك، بل وسقوط ضحايا جرّاءه. الرئيس الأمريكي أصبح في مأزق. سمعته أصبحت على المحك. القطريون وإخوانهم في القاهرة سارعوا إليه بالحل. الجيش المصري بديل جاهز بحسب الصفقة المعدة مسبقًا، مرسي شمر عن ذراعيه، واصطحب أنصاره ووجوها تكفيرية متطرفة عدّة، قبل أن يذهب بهم، قبل الإطاحة بنظامه ببضعة أسابيع، إلى الصالة المغطاة بإستاد القاهرة، معلنًا، ودون سابق إنذار، قطع العلاقات مع دمشق، وسحب السفير المصري من هناك، والأخطر تأكيده أن الشعب والجيش في أرض الكنانة تحت أمر الثورة السورية. كان ذلك إعلانا مبطنا بالحرب ضد سوريا من جانب الرئيس الإخواني، لا لنصرة الديمقراطية والحرية والثورة، وإنما لإنقاذ سمعة أوباما، ولإرضاء وكلائه في المنطقة/ القطريين والأتراك. مرسي عرض تدخّل الجيش المصري في المستنقع السوري، وفق المخطط القطري الأمريكي التركي، دون استطلاع رأي قادة القوات المسلحة. المشير عبد الفتاح السيسي نفسه، وكان لا يزال وقتها وزيرًا للدفاع وقائدًا عامًا للقوات المسلحة برتبة فريق أول، أبلغ من قبل المعزول بقرار التصعيد ضد دمشق، قبل خطاب الأستاذ بنحو 3 ساعات فقط. السيسي لم يُخف عدم رضا القوات المسلحة عن مثل تلك القرارات المفاجئة وغير المدروسة، غير أن مرسي لم يسمع، ماضيًا في تنفيذ بنود المخطط الذي رُسم لجماعته كأحد شروط تثبيتها في الحكم من جانب الإمبراطورية و شمشرجيتها في المحيط الشرق أوسطي. لكن زلزال 30 يونيو حطّم المخطط الأمريكي، والذي كان يتطلع إلى تحويل عقيدة الجيش المصري من حماية الحدود والأمن القومي لمصر والتأهب الدائم ضد العدو الإسرائيلي، إلى قوات نظامية تحارب لصالح من يدفع، والأخطر جعلها تحل محلّ الجيش الأمريكي في كل مشاريعه القذرة بالمنطقة. السيسي الإطاحة بمرسي حفظت دماء عشرات الآلاف من جنودنا، لم يكن الإخوان والقطريون وقبلهم الأمريكان والأتراك، يمانعون في إهدارها وسفكها، في سبيل مصالحهم الخاصة. الإخوان حوّلوا مصر طيلة العام الوحيد الكابوسي لهم في السلطة، لممر آمن لجميع المتشددين الراغبين في الجهاد بسوريا. الدولة في ظل حكم المعزول، غضت بصرها عن سفر المئات من الإخوان والسلفيين وأعضاء الجماعات التكفيرية، إلى قلب الحرب السورية، قبل أن ينضموا تحت لواء الجيش السوري الحر وجبهة النصرة وتنظيم داعش، ضد الأسد. الكثير من هؤلاء عاد الآن، وبعد عزل مرسي، ليطعن الدولة المصرية وجيشها وشرطتها وشعبها، بخنجر الإرهاب والعنف المسلح والتكفير. على هذا النحو، فإن القطريين كانوا عَرّابي فكرة تشتيت الجيش المصري، ودفعه لدوامات لا ناقة له بها ولا جمل. والآن يبدو أنهم، وأيضًا بالوكالة عن واشنطن، في طليعة الطامحين لمعاقبته. أنباء تأسيس قطر بمساعدة من بعض الدول، كتركيا والسودان، وربما إيران، لمليشيات في شرق لبيبا، تحت مسمى الجيش المصري الحر، لا يمكن فصلها عن سيناريو الثأر من القوات المسلحة المصرية. عدم قطع الدوحة الواضح بعدم صحة وقوفها خلف تأسيس جيش مواز للقوات المسلحة، على غرار الجيش السوري الحر، لا هدف له إلا إحباط المقاتل المصري، وشن حرب نفسية ضده، وبث روح الانهزام في نفسه، أو أن الإمارة الصغيرة قررت الجهر بالعداوة مع خير أجناد الأرض، بمنطق (عليّا وعلى أعدائي). بينما يبدو بث الأخبار الكاذبة أو الملفقة أو المبتورة عن الجيش المصري في شبكة الجزيرة، أقرب وسيلة لزعزعة استقرار قواته، ومحاولة بث القلائل داخله، على أمل تقسيمه أو حدوث انشقاقات فيه. فيما أن أصرار النافذة الإعلامية القطرية، على ربط أي حوادث عنف تحدث في مصر بالجيش، ما هو إلا محاولة لتوريطه في الدم بأي صورة، لربما يتم استدعاء التدخل الخارجي إلى مصر، ومحاكمة قادة القوات المسلحة أمام المحكمة الجنائية الدولية، فضلًا عن تصوير الصراع بعد عزل مرسي، على أنه معركة بين الديمقراطية والعسكر، بين الصندوق وإرادة الناخبين والانقلاب، وهي قضية يبدو المجتمع الغربي شديد الحساسية تجاهها، ومن ثم سيزيد الضغط على سلطة ما بعد 30 يونيو.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى