تحقيقات صحفيه

المساء نيوز تفتح الملفات المسكوت عنها : اختفاء «تكتيكي» لأشهر عرّابي الجماعة

تحقيق / ابراهيم البسيونى 

على خلاف مقالات الهمز واللمز والتصيّد لفهمي هويدي، وعلى عكس الظهور اللافت لمحمد سليم العوا، كضلع أساسي في ألاعيب الإخوان ومعزولهم، لإفساد محاكماتهم، يبدو اختفاء باقي عرَّابي الجماعة، من غير المنتمين إليها تنظيميًا، وإنما فكريًا وسياسيًا، وعلى رأسهم كل من المستشار طارق البشري والدكتور محمد عمارة، مريبًا إلى حد كبير.

سر غياب البشري وعمارة عن مشهد «دعم الإخوان»

منذ إقرار الدستور الجديد

الرجلان تبارا بعد عزل مرسي وإخوانه في تشويه 30

يونيو واعتبراها انقلابًا عسكريًا

عمارة يعتبر مرسي وليًا شرعيًا.. ومن ثاروا عليه

خوارج

 

122207_1394212980الرجلان قليلا الظهور منذ 30 يونيو 2013. البشري لم يُطلّ علينا سوى عبر بضع مقالات قد لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، كانت قد أفردتها له (يومية مستقلة) بين يوليو وديسمبر الماضيين، قبل أن تتوقف فجأة، ويتلاشى وجود القاضي تمامًا في الساحة الإعلامية.

أما الدكتور محمد عمارة، وهو عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، فيما يترأس هيئة تحرير مجلة الجامع العتيق، رغم كل ما يحمله على كتفيه من تراث عدائي وطائفي وتحريضي ضد أقباط مصر، فلم يصادفه أحد منذ الإطاحة بمحمد مرسي، غير مأسوف عليه خارج قصر الاتحادية، إلا في حوار مطول مع (الجزيرة) في أغسطس الماضي، فضلًا عن إطلالات خاطفة عبر تعليقات تتناقلها المواقع والنوافذ الإلكترونية، إخوانية أو إسلامية الهوى في أغلبها.

الاثنان، البشري وعمارة، ينتهجان سياسة مغايرة عن تلك التي يتبناها كل عرَّابي الجماعة و(مبيّضي وجهها) قانونيًا وأخلاقيًا. إستراتيجيتهما في مساندة الإخوان تبقى الأكثر تأثيرًا. إذ إن الاختفاء ليس كله سلبيًا. في أحيان كثيرة تكون العودة بعد غياب كبير، وسيلة لتجهيز المسرح لعرض ما.

الانزواء بعيدًا عن الأضواء لأناس ذوي ثقل، بغض النظر عن نوع ذلك الأخير، أو سببه، أو المصالح المرتبط بها، أو الأفكار التي يعبّر عنها، يمثل سببًا مباشرًا في جذب الأنظار بشدة لصاحبه، بمجرد صعودة لواجهة المشهد. الفضول والرغبة في معرفة أطروحات العرَّابين، تجذب لهم مُريدين جدد، سيضافون بلا شك إلى القطعان التي تحتفي بهم بالأمر المباشر على طول الخط.

وقوف البشري وعمارة (وبالأخص الثاني) على الضفة الأخرى المناهضة للمشروع المصري الديمقراطي الليبرالي الحداثي، المضاد بطبيعة الحال للفاشية الدينية والرجعية وثقافة الصحراء، يجعلهما هدفًا للتفتيش عنهما، وعن تحركاتهما، وإسهاماتهما القانونية والفكرية، من جانب أنصار المعسكر المدني. الاثنان يدركان تلك الحقيقة. يعلمان أن تقطير الظهور يثمر في الأخير إسهابًا في المتابعة والتتبع.

أحيانًا تفرض الأحداث الجارية على الأرض على العرَّابين توقيتات فترات الاختفاء. إقرار دستور جديد للبلاد، وتسارع الخطوات صوب اختيار رئيس جديد، ومن بعده انتخاب برلمان يمثل الشعب، تتمخض عنه حكومة شرعية ومستقرة، فضلًا عن تصاعد موجات العنف والإرهاب من جانب الإخوان وحلفائهم، جميعها أسباب منطقية للبعد من جانب البشري وعمارة. الواقع في مصر الآن، غادر أفكارهما وابتعد عن دفوعهما عن الجماعة بمسافة شاسعة.

لولا ورود اسم البشري وعمارة، في لجنة الحكماء التي اقترحها الأكاديمي والسياسي، الدكتور حسن نافعة، ضمن مبادرته التي كشف عنها الشهر الماضي للتصالح بين الدولة والإخوان، لكان العام 2014 (حتى الآن) خاليًا من أي فكرة أو تعليق أو طرح (كانت ستصبح حتمًا في كفة الإخوان) من جانب الرجلين.

السؤال الذي يفرض نفسه بقوة بشأن تلك المبادرة، واعتبار وجود البشري وعمارة فيها، ضمن أضلاع، وربما شروط نجاحها، وبغض النظر عن تقييم جديتها، ومدى ملائمة بنودها للواقع المصري حاليًا: لماذا منح الإخوان الضوء الأخضر لنافعة لوضع اسميهما كمفاوضين مؤتمنين داخل إطار قد يكون طوق النجاة الأخير بالنسبة للجماعة؟

الإجابة ببساطة ترتبط بالدور الذي لعبه البشري وعمارة لخدمة الإخوان بعد عزل مرسي (وكذا في أثناء وقبل وجوده في الحكم)، عبر تقديم تأصيلات قانونية ودستورية وشرعية لتشويه 30 يونيو من جهة، والقطع بأن إسقاط نظام حكم مكتب الإرشاد تم بانقلاب عسكري بامتياز. مع التأكيد في ذات الوقت على أنهما ليسا عضوين أو قياديين بالتنظيم، ومن ثم يكتسب كلامهما زورًا وجه المحايد. الإخوان يعلمون أن مكاسبهم من غير المنتمين إليهم هي الأهم.

البشري مثلا، قال بعد أسبوع واحد من عزل مرسي، إن ما حدث انقلاب عسكري من جانب قيادات القوات المسلحة، فيما أن رجالها وأناسها أبرياء من هذا الصنيع، على حد زعمه.

وفي موضع آخر قال: (معنى هذا أن وحدات القوات المسلحة تحرّكت لحماية الدولة وأجهزتها وهيئاتها ونظمها، ثم استغلّ هذا الحراك واستخدم لتحطيم أجهزة الدولة وهيئاتها ونظمها، وانعكس توظيف حركة القوات المسلحة من هدف الحماية والإبقاء إلى هدف الهدم والإنهاء).

وفي ثالث كتب: (نحن الآن نواجه ذات الأسلوب الاستبدادى القديم الجديد. ونحن نعرف أن قوى الاستبداد المتمركزة في أجهزة الدولة، قد استغلت اضطراب الحكم فب أول تشكيل سياسي عقب العمل بدستور 2012، استغلت ذلك لتقفز إلى السلطة وتسيطر، فلا يتعدّل الوضع السياسى للدولة في ظل ذات الدستور عن طريق الانتخابات والضغوط السياسية التي تؤثر في إعادة تشكيل سلطات الدولة بالانتخاب، استغلت الظروف لتلقي بالدستور بعيدًا، ولتسلب الشعب حقه في التغيير السياسي بطريق الانتخاب، فتقرر التغيير بطريق الانقلاب. وقد كان خلافنا من أول لحظة يتعلق بهذا الأمر، وهو أن التغيير السياسي يتعيّن أن يكون بإرادة الشعب بطريق الانتخاب، وليس بفعل قوى الاستبداد بطريق الانقلاب. وأن المسألة ليست مسألة حكم الإخوان المسلمين الذي يمكن أن يتغيّر بالانتخاب، وتعدّل أوضاعه بذلك، ولكنها مسألة الديمقراطية التي أراد أن يقضي عليها انقلاب 3 يوليو 2013).

كما كتب داعيًا لعدم التصويت على الدستور الجديد، واعتباره لقيطًا ويرسّخ لدولة العسكر قائلًا: (إن من ستُصدر التشريع هي رئاسة الدولة التي أصدرت قيادة الجيش في 3 يوليو قرارها الفردي بتعيينها، وسلطتها تؤول من الناحية السياسية إلى مصدرها، ومن ثم فهي تعكس المشيئة السياسية لنمط الحكم الذي قرّرته قيادة انقلاب 3 يوليو العسكري، وتدور في هذا السياق من التوجّهات. ومن ثم يكون من يتحكم في أول تشكيل لمؤسسات الدولة السياسية الناجمة عن هذا الدستور المطروح، وعلى مدى السنوات الخمس الأولى منه هو صاحب الكلمة النافذة التي تحدّد بها التشكيل السياسي للدولة في 3 يوليو، أي سلطة الانقلاب العسكري. وتذهب الجماهير للتوقيع على بياض لتعلن هذه السلطة الرضاء الشعبي المسبق على ما عسى أن تقرره وتزكيه في بناء الدولة، إن هذه النصوص في حقيقتها تتيح لسلطة 3 يوليو 2013 أن تستمر وفق مشيئتها الذاتية لمدة خمس سنوات تالية لصدور هذا الدستور إن رأى النور).

مواقف البشري من 30 يونيو وما تلاها من بنود خارطة المستقبل، لا تبدو مستغرَبة أبدًا، ولم لا وهو صاحب كارثة الإعلان الدستوري المستفتَى عليه في 19 مارس 2011، والذي أنتج بيئة قانونية ضحلة، أوحلت المصريين في النهاية في مستنقع الإخوان، خاصة عندما أصر على إجراء كل الانتخابات: رئاسة ومجلس شعب وشورى، قبل وضع الدستور، وبالتالي سيطر على وضع مسوّدته النهائية تياران، إخواني لا يسعى إلا للتمكين والأخونة والاستحواذ وإقصاء الآخر وصنع خلافة وهمية، وسلفي لا يحفظ من الدين إلا ثقافة الجاهلية والخيمة.

في المقابل، لم تختلف طريقة محمد عمارة الداعمة للإخوان، في أعقاب سقوط نظامهم، عن منهجه في تكفير الآخر المصري، وخاصة المسيحي. هو لم يتردد في القول إن إقصاء مرسي انقلاب عسكري باطل شرعًا وقانونًا، وكرّر المعنى ذاته في بيان أصدره تحت عنوان بيان للناس في يوليو الماضي.

بعدها بشهر، قطع على شاشة (الجزيرة) بأن المعزول له بيعة في عنق الأمة، مدتها 4 سنوات بحكم الدستور والقانون، واصفًا من خرج وثار على ما أسماه (الرئيس الشرعى) وانقلب عليه بالخوارج.

ثم حدّد عمارة أولئك الخوارج بالزعم أن ملايين 30 يونيو اقتصرت على أعضاء من الحزب الوطني، والتيار الطائفي في الكنيسة، إضافة إلى الإعلام الذي اتهمه بأنه موّل من الخارج وقام بصنع وغسل مخ الناس.

الآن يستغل عمارة موقعه في مجلة الأزهر للترويج لفكر الإخوان، والأحزاب الدينية، وبث الكراهية تجاه الأقباط، في ظل صمت غريب من الإمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب.

عمارة هاجم الدستور الجديد بضراوة، ودعا الناس لمقاطعة التصويت عليه، عبر تهييج المشاعر الدينية داخلهم، وابتزازها. فقال إن المسودة تضفي الشرعية الدستورية على انقلاب 30 يونيو، وتغفل انتماء للأمة الإسلامية، فيما قضت على مبدأ الشورى، وأخرجت هيئة كبار العلماء من المشهد، وأخلت بمفهوم الشريعة الإسلامية بالاعتماد على تفسيرات المحكمة الدستورية العليا.

مزاعمه المحرّضة ضد الدستور الجديد، دفعته للزعم بأنه يفتح الباب للإساءة بالرسل والأنبياء، ويقضي على تعريب العلوم والمعارف والتعليم. قبل أن تصل ادعاءاته مداها بالقول إنه وسع على نحو مفرط في محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، رغم أن الحقيقة أن دستور الإخوان كان قد أطلق ذلك دون قيود.

في حين أن المسودة الأخيرة، ورغم التحفظ على مادة محاكمة المدنيين عسكريًا فيها، وربما رفضها من شرائح مجتمعية عدة، قد حصرته في حالات بعينها.

إن الإخوان وحلفاءهم يساندون عرَّابيهم بشتى الطرق. هم أملهم الأخير على الساحة السياسية. ولأنهم وقت الحاجة، يتحولون إلى ترزية قوانين وأحيًا أيضًا ترزية يرفعون شعارات الدين.

إن البشري وعمارة، ومَن سار على دربهما في دعم الإخوان، لا يرون إردة الشعب المصري، لا يحسبون لها أي حساب، ومن ثم يبرّرون جرائم وخطايا الجماعة في حق المواطنين، بل ويبحثون لتنظيم دعا واشنطن لإعادته للسطلة بقوة السلاح، عن مخرج لإنقاذه.

على سبيل المثال، عقب عزل مرسي ببضعة أسابيع، طرح البشري والعوا وهويدي مبادرة للخروج من الأزمة، تجسّدت فيها كل آيات إنكار الواقع وإرادة 30 يونيو، حيث دعت لعودة مرسي للحكم، ثم تفويض صلاحياته لرئيس وزراء توافقي، على أن تجري انتخابات رئاسية مبكرة فيما بعد، ولا يعطّل دستور الإخوان الفاشي.

القراءة المتأنية لمبادرة البشري ورفاقه لخدمة الجماعة، تكشف بوضوح أنه كان يريد تجاهل نزول ملايين المصريين في 30 يونيو و3 و26 يوليو تمامًا، ومن ثم التركيز على عودة مرسي لتفويض صلاحياته، وإغفال أن الناس ثارت عليه، وأسقطت شرعيته، بعد أن أهدرها هو بيده ويد جماعته دستوريًا وقانونيًا وأخلاقيًا، فضلًا عن كونه متورطًا في قضايا وعلى ذمة تحقيقات، منها جناية تخابر.

مبادرة البشري كانت تريد العودة للدستور المعيب، وأن يكون تعديله في نهاية المطاف بحيث يتم ضمان مكاسب التيار الإسلامي فيه، ليس فقط ما يتعلق بالتفسير المفخخ للمادة الثانية (المادة 219)، ولكن أيضًا فيما يتعلق بالحقوق والحريات والصحافة وحقوق المرأة والطفل وأصحاب المذاهب والأديان غير السماوية، ناهيك عن إخراج المحكمة الدستورية العليا من المشهد القانوني المصري، وقبلها صلاحيات رئيس الجمهورية المطلقة التي لا تقل خطورة عن صلاحيات مبارك في دستور 71.

مسألة تفويض رئيس حكومة توافقي، التي طرحها البشري وزمرته، فضلًا عن كونه إقرارًا بأن ما حدث ليس ثورة وإنما انقلاب، بدليل أن مرسي هو من سيحيل صلاحياته لشخص آخر، فإن التوافق إنما يعني عمليًا أن يتم التشاور بين الأحزاب والقوى السياسية التي كانت تتصدر المشهد قبل 30 يونيو، وهي الإخوان وحزبهم، والوسط، والسلفيون بأحزابهم: النور والوطن والأصالة، والجماعة الإسلامية وحزبها، وبعض الأحزاب الكارتونية التي تميل لمصالح تتعلق بالظهور الإعلامي لا أكثر ولا أقل، إلى اليمين الديني الحاكم، مثل غد أيمن نور، بينما ستدعى جبهة الإنقاذ لتدخل في إطار ذرّ الرماد ، ومن ثم تصبح الأخيرة في مواجهة كل هؤلاء، وإذا رفضت ترشيحاتهم ستكون داعية للفوضى والعنف، وغيرها من الاتهامات الإخوانية المعلبة، وعليه سينتهي الأمر إلى رئيس حكومة، من شاكلة هشام قنديل، أو إن شئنا الدقة رئيس وزراء خلية إخوانية نائمة، لتعاد من جديد صياغة مناخ إقصائي، لا يعيد إلا إنتاج محمد مرسي جديد، حتى ولو اتّشح بثوب غير إخواني، مثل عبد المنعم أبو الفتوح أو العوا، أو من هو على نهجهما.

الحديث عن أي مبادرات من أي نوع، بشأن ما يتعلق بترتيبات نقل السلطة لرئيس جديد منتخب، أو تعديل الدستور، وصياغة نظام برلماني حقيقي وفاعل، بعيدًا عن خارطة المستقبل المعلنة في 3 يوليو، ورغم كل ما يؤخذ عليها من تحفظات، إنما يقرّ ببساطة، وكما يهدف البشري وزملاؤه لترسيخه في الذهنية الجمعية للرأي العام، بأن ما حدث هو انقلاب عسكري، لا شعبيًا بامتياز، وإعلان أن إرادة الشعب قد توفاها الله.

كذلك فإن مبادرات متأسلمي مصر حاليًا، وفي إطار حربهم للقبض على السلطة، بالعنف أو الدماء، أو حتى مبادرات السمّ في العسل، لا تعكس غير نهم شخصي شديد لدى أصحابها، لهدم المفهوم الحضاري للدولة بحدودها وسيادتها وتاريخها.

بكلام بسيط، هم يزعجهم بشدة ذلك المشهد الذي عايشه المصريون مرارًا في التحرير وأمام قصر الاتحادية وفي مختلف ميادين الحرية بالمحافظات، وذلك في لحظات عفوية تاريخية: مسلمون، مسيحيون، ملحدون، رجال، سيدات، شباب، أطفال، محجّبات، سافرات، صعايدة، فلاحون، مهنيون، حرفيون، متعلمون، جهلة، أصحاب بشرة سمراء، ملوّنون… وغيرهم: الكل يمسك بالعلم.. الكل يهتف تحيا مصر.

لكن البشري وعمارة، ومن وقف معهما في فريق عرَّابي الإخوان، يريدون أناسًا ينظرون في الأرض، لا أن يرفعوا رؤوسهم عاليًا.. وعليه فإن اختفاء الاثنين، وكما هو متوقّع، سيكون مؤقتًا وتكتيكيًا، إلى حين تسنح لهم فرصة جديدة، كمبادرة نافعة مثلا، لتبييض وجه الإخوان، وغسل أيديهم من دماء المصريين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: